ظاهرة التّسوّل تعود الى الواجهة… ‘الحبس بين خمس سنوات و15 سنة’… فهل تطبق ام يترك الاطفال لمصيرهم الأسود لتأمين حاجات ‘كبارهم’؟!

“تقتربُ من نافذة السيّارة، تمدّ يدها طالبةً المال. طفلةٌ لم يتجاوز عمرها الخمس سنوات. في عيونها البريئة اختصارٌ لمرّ ما تعانيه طفلة في عمرها. مكانها ليس الشّارع بل في أحضان عائلتها او في مدرسة تمارس حقّها كباقي الأطفال في التّعلم. زينة واحدة من مئات الأطفال المتسوّلين المنتشرين في شوارع لبنان. يُطلب منهم بيع الورود، المحارم، العلكة او حتّى بأيدٍ فارغة يقتربون لتأمين «غلّة اليوم».مع ازدياد الأوضاع الإقتصاديّة سوءاً والأوضاع الإجتماعيّة إلى مزيدٍ من التّعقيد، ظاهرة التّسول وخاصّةً تسوّل الأطفال عادت إلى الواجهة ومن الممكن القول أنّها عادت بوتيرة أكبر وأصبح في طريق كلّ مواطن لبناني متسوّل يصبّحه مع بداية كلّ نهار في احد الشّوارع.

كيف عادت ظاهرة التسول إلى الواجهة مجدّداً؟ ما المخاطر والتهديدات الأمنيّة التي يشكّلها التسوّل؟ وكيف يفسّر القانون اللّبناني التسوّل وانتشار الأطفال في الشّوارع؟

كشفت دراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا، إسكوا عن «تضاعف نسبة الفقراء من سكان لبنان لتصل إلى 55% عام 2020، بعدما كانت 28% في 2019، كما ارتفعت نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع بثلاثة أضعاف، من 8 إلى 23% خلال الفترة نفسها». وأشارت الدراسة إلى أن «العدد الإجمالي للفقراء من اللبنانيين أصبح يفوق 2.7 مليون شخص». الفقر سبب يدفع الكثير للتّسوّل لتأمين لقمة العيش لكن الأمر لن ينطبق على كافّة المتسوّلين في لبنان.

التّسول آفّة خطيرة…أبعد من الفقر!
اعتبر مصدرٌ مطّلع في شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي اللبناني، أن التسول هو آفة اجتماعية اقتصادية لا علاقة لها مباشرة بالفقر والعوز. هذه الظاهرة، تتضاعف اثناء الحروب والأزمات، وهذا ما يبرّر تفاقمها في الوقت الحالي في لبنان. يقول المصدر: «جرم عصابات التسول يندرج في إطار الجنايات وهو مرتبط بقضايا الاتجار بالأشخاص وهو أبعد بكثير من قضيّة فقر وعوز». أمّا عن احصاءات أعداد الأطفال المتسوّلين في لبنان فلا أرقام دقيقة تثبت الواقع وهذا يعود إلى تعدّد جنسيّات المتسوّلين من بينهم أطفال سوريون وفلسطينيون».

تفشّي ظاهرة التسوّل في لبنان عامل خطير كونها تشكّل بداية لانتشار آفات اجتماعيّة لبنان في غنىً عنها، ويضيف: «التسوّل يؤدّي إلى تفاقم السرقة والانحراف الإجتماعي والأخلاقي وتعاطي المخدرات، كما ويؤثّر مباشرةً على الأطفال ويحرمهم من أبسط حقوقهم».

التسوّل من المنظار القانوني
يقول المحامي الياس يمّين أنّ «المشترع اللبناني قد خصّ التسوّل اهمية كبرى خاصة في قانون العقوبات، معتبراً انّ التسّول جريمة وعقوبتها منصوص عنها في المادة 610 وما يليها». تنص المادة 610 على: «من كانت له موارد، أو كان يستطيع الحصول على موارد بالعمل، واستجدى لمنفعته الخاصة الإحسان العام في أي مكان كان، إما صراحة أو تحت ستار أعمال تجارية، عوقب بالحبس مع التشغيل لمدة شهرعلى الأقل وستة أشهر على الأكثر. ويمكن، في بعض الحالات الخاصة أن يوضع المتسول في دار للتشغيل ويعتمد هذا التدبير وجوبًا في حالة اعتياد التكرار».

ويضيف يمّين أنّ: «العقوبات، تشمل أهل القاصر فيعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، والدا القاصر الذي لم يتم الخامسة عشرة من عمره أو أهله المكلفون إعالته وتربيته إذا لم يوفّروا له حاجاته الأساسية على الرغم من اقتدارهم وتركوه متشرّدًا» (م617 ع). كذلك يعاقب القانون من دفع القاصر للتسوّل بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين ( م618.ع ). ويؤكّد أنّ التسوّل هو من جرائم الإتجار بالأشخاص وهو يضعه في إطار استغلال حالة ضعف، عقوبتها الحبس تترواح بين خمس سنوات و 15 سنة».

استغلال مشاعر لجني الأموال!
تشير المعالجة النّفسيّة مارينور فرح أنّ ابرز المتسوّلين هم أطفال وذوو إحتياجات خاصة، يعملون على إستغلال مشاعر الشّخص لدفع المال. تعتبر فرح أنّ المتسولين يعملون على اسلوب عاطفي لإستمالة مشاعر الناس. فالأطفال يظهرون أنّهم مستغلّون. يُدرّبون على طرق جلب المال كتذرّعهم بالجوع أو اعتماد اسلوب التخويف حيث يقولون أنهم معرضون للضرب في حال لم يجلبوا المال. أما المتسولون الكبار فيعتمدون ذريعة المرض، او الحالات الخاصّة أمّا الواقع فلا يكون كذلك».

مَن يستطيع أن ينسى فاطمة، أغنى متسولة في العالم الذي بلغ رصيدها بعد وفاتها 5.5 مليون دولار في أهم المصارف اللبنانية؟فبين التفكير بمدى صدق المتسوّلين وهل هم فعلاً محتاجون للمال، تقتنع ألا تمدّ يد العون لعلّ الكبار يرحمون الأطفال. فتغلق نافذة السيارة وتكمل سيرك.

سابين الاشقر – الديار

الصورة تعبيرية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى