الإبداع وليد الكسل الإيجابي

الاعلامي حسان شعبان :

 

“دائماً أختار الشخص الكسول ليقوم بالعمل الصعب، لأنه سيجد طريقة بسيطة لإنهائه” بيل غيتس.

يعمل زياد كمطور برمجي  في شركة أنظمة حسابية ، يشكو مسؤوله المباشر من قلة إنتاجه وكثرة ملاحظاته أثناء تكليفه بمهامه وكان يتوقع أن ينال علامة متدنية في التقييم السنوي بحسب مقاييس الإنتاجية،  ولعله كان يظن بأن الادارة العليا ستفصله فور اعلان نتائج التقييم، لكن الأمور جرت عكس ذلك، فقد تمت ترقيته وعُززموقعه في المؤسسة  لأن الادارة اعتمدت ادوات قياس ترتكز على النوعية و الإبداع  وتبين ان زياد الكسول متدني الانتاجية يقدم نوعية  متميزة ومختلفة تماماً عن نظرائه تحمل افكاراً خلاقة و مبتكرة، وأظهر تحليل المبيعات بأن زبائن زياد قد زاد طلبهم على الخدمات البرمجية بنسبة  40% بسبب بساطتها وأهميتها وفرادتها في معالجة مشاكلهم الحسابية. يقول المدير العام ان زياد نوعي وليس كمي وهي ميزة فريدة لا يمتلكها الجميع وان المؤسسة تجده ضرورة ماسة لتميزها دون ان يغفل دور زملائه المجتهدين والملتزمين بالانتاج السريع.

يبحث المدراء غالباً عن موظفين نشيطين ومجتهدين ليعملوا في المؤسسة لرفع معدلات الإنتاج دون أن يلتفتوا إلى أن الموظف الكسول هو الأكثر قدرةً على إيجاد حلول إبداعية ترفع مستوى الإنتاج نوعاً وكماً.  
يطلق لقب الموظف الكسول على ذلك الذي يكثر من الأسئلة قبل الشروع في عمله على شاكلة “لماذا يتوجب علينا القيام بعملنا بهذه الطريقة” و ” ما هي النتيجة المرجوة” أو “لماذا لا نقوم بهذه المرحلة قبل تلك”، لكن إذا تأملنا في جوهر أسئلته قد نكتشف أنه يحاول البحث عن وسائل خلاقة أقل صعوبة وعسر لإنجاز وظيفته بصورة كاملة وفعالة، وهذا يجب ان ينظر له  كأمرٍ محمودٍ في المؤسسات.
في الواقع الإبداع لا يبتكره أفراد مثقلين بالواجبات الوظيفية، فالشخص المنتج المتخم بالواجبات اليومية ينتهج أسلوب تنفيذ التعليمات و إتمام عمله ضمن حدود اّليات المؤسسة المتعارف عليها. لتصبح سرعة الإنجاز عند الموظف القياس الأبرز لتميزه على حساب النوعية، بالرغم من أهمية ذلك لضمان إستمرار الإنتاج ورفع وتيرته إلا إنه يقلل من فرص ابتكار وسائل وآليات عمل جديدة ذات فعالية أكبر.

اعمل بذكاء لا بعناء

“اعمل بذكاء لا بعناء” مقولة اشتهرت في عالم الإدارة منذ القرن الماضي و بالتحديد في فترة الثورة الصناعية، حينها كانت حاجة السوق  أكبر من القدرة  الإنتاجية للمصانع على خلاف الحالة الاقتصادية في هذا الزمن، كان الهدف آنذاك تحفيز المهندسين لإختراع آلات جديدة في المصانع تسرع دوران العمل وتقلل من الأكلاف عوضاً عن الاكتفاء بصيانة وتطوير الآلات الموجودة.  لا زال المدراء يرددون هذه المقولة حتى يومنا هذا و لكن واقعياً ندر من يطبقها فعلياً. قلما وجدنا مديراً يتقبل إقتراح تعديلات على آليات العمل من قبل موظفيه اذ لا زالت العقليات الادارية العربية على وجه الخصوص متحجرة و محدودة الافق.  فأنظمتها الداخلية تبارك الموظف الذي يواظب على إحترام الدوام دون مخالفات وتنوه بمن يؤدي مهامه بحذافيرها بصمت وإتقان دون اعتراض بمعزل عما اذا كان اعتراضه بناءً.  توصد الأبواب أمام الموظف الذي يناقش و يقدم أفكاراً تطويرية بحجة ان الآليات المعتمدة هي الأكثر ملائمة للمؤسسة دون غيرها و باعتبار ان خبرة المدير تجعله حصراً الأعلم  بإختيار نظام العمل الأفضل للمؤسسة.

هكذا أضحى الموظف المثالي بالنسبة لهؤلاء المدراء كالفأر الذي يدور في عجلة مفرغة فكلما ركض أكثر و قام
بجهد أكبر زاد دوران العجلة اكثر و لكن الفأر ثبت مكانه دون ان يتقدم و لو قليلاً. فهذا الموظف مثقل بالمهام اليومية التي لا تتيح له رؤية الأمور بنظرة شاملة بشكل مختلف ليبتكر حلول إبداعية تزيد من فعاليته بجهد أقل و ترفع إنتاج المؤسسة كماً و نوعاً دون كلفة إضافية. 

لا يخرج الإبداع في حالات الحراك المستمرة و المضنية بل يحتاج ظروف هادئة و ساكنة. فنيوتن حينما أكتشف قانون الجاذبية كان في لحظات سكون و تأمل، لفتته التفاحة التي سقطت من الشجرة وأتاه الإلهام الذي ظهر بادئ الامر كسؤال بريء و لعله آنذاك كان سؤالاً تافهاً “لماذا سقطت التفاحة إلى الارض بشكل عامودي  و لم ترتفع  أو حتى تسقط بشكل عشوائي” حينها اكتشف قانون الجاذبية.  كذلك ارخميدس الذي اكتشف نظريته بينما كان يستحم فخرج عارياً و هو يصرخ “وجدتها وجدتها”، فهو لم يكن في حالة عمل مضني في تلك اللحظة بل كان في لحظات استرخاء و هدوء.


تؤكد الدراسات بأن النجاح و الإبداع هما نتاج العقل الباطني و الحدس الانساني و قد أثبت علمياً أن العقل الباطني يعمل بطريقة نقيضة للعقل الظاهر فحينما يعمل الأخير بكدٍ يتوقف العقل الباطني و لا يرسل إشاراته الالهامية للإبداع لكنه يعمل حصراً حينما يتوقف العقل الظاهر عن العمل. من هنا يُفهم الترابط بين الكسل و الإبداع. 
لكن هذه العلاقة لا تعني انه كلما زاد كسل الانسان كلما زاد إبداعه بل بالعكس فالعمل الدؤوب هو الطريقة الوحيدة لضمان تنفيذ الافكار الابداعية حينما تتوفر الشروط الملائمة. 
الإنسان الناجح و المبدع يحتاج للاثنين معاً و لا يمكن ان يكتفي بالاسترخاء و الكسل ليؤمن ظروف ملائمة لعقله الباطني فحينها سيقدم أفكار خرافية غير قابلة للتحقيق لا جدوى منها. بالمقابل الاكتفاء بالعقل الظاهري والعمل اليومي المضني المثقل بالمهام لا يضمن وحده النجاح والريادة إنما يضمن فقط الاستمرارية.
الكسل الإيجابي لا يبرر التقاعس و الخمول الوظيفي فوتيرته ليست دائمة أو ممنهجة وينجم عنها نتائج إبداعية خلاقة، انما قليل من الكسل قد يكون ايجابياً و مجدياً للموظف و للمؤسسة

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى