جريمة ‘قاتلة مرضى السرطان’… فساد بـ’غطاء’!

في كل يوم تطالعنا فضيحة من العيار الثقيل، كجريمة إستبدال أدوية السرطان بأخرى فاسدة، وكذلك إقصاء موظف من منصبه وتعيينه في مكان آخر لأنه، وفق ما جاء على لسان أكثر من وزير، ومن بينهم وزير تيار “المردة” يوسف فنيانوس، غير محسوب على العهد، ولأنه رفض التوقيع على قرار لم يرَ فيه مبررات قانونية تلزمه مسايرة من يقف وراء هذا القرار.
فإذا كان هذا الموظف قد ارتكب مخالفات مسلكية أو أنه ساهم في تغطية صفقة ما، وإذا كان لدى السلطة السياسية وثائق تدينه وتثبت تورطه لكان الأجدى بها أن تحيله إلى التحقيق، لا أن تعيّنه في منصب آخر، لا يقلّ أهمية عن منصبه السابق، حسب تبريرات وزير العدل سليم جريصاتي.
وبمناسبة الحديث عن الفساد، وهو فساد يطاول كل مناحي الحياة السياسية وما لفّ لفها، لم نسمع أن وزير مكافحة الفساد، وهي وزارة مستحدثة، أحال حالة واحدة إلى القضاء، تمامًا كما لم نرّ أيًّا من الذين لم تنطبق عليهم المواصفات غير المطابقة، في حملة وزير الصحة السابق، وراء قضبان السجون.
ما كشفه بعض الوزراء بالأمس على أثر جلسة مجلس الوزراء عن أن لا مكان في الوظيفة العامة لمن لا تكون ميوله السياسية منسجمة مع ميول بعض الذين هم اليوم في السلطة، لا يوحي كثيرًا بأن ثمة مكانًا واسعًا للتفاؤل بأن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب، لأن الإصلاح الحقيقي لا يقيم وزنًا لإنتماء الشخص الكفي، بل يذهب إلى الهدف مباشرة، تمامًا كما فعل الرئيس فؤاد شهاب، قبل أن يكون لـ”الشهابية” اليد الطولى في التعيينات، وهو نجح إلى حدّ كبير في تعيين الأشخاص الأكفياء في المراكز الحسّاسة، فارضًا عليهم مسلكية صارمة لا تسمح بأن يغبّر عليهم أيٌ كان.

قد يكون في بعض ما يكشفه الوزراء أنفسهم، وهم الذين أرتضوا من تلقاء أنفسهم أن يكونوا وزراء في حكومة “إستعادة الثقة”، نصف الحقيقة بإعتبار أن النصف الآخر يبقى طيّ الكتمان وذلك حفاظًا على بعض من ماء الوجه، ولكن هذا النصف كافٍ للدلالة عن مأزق داخل مجلس الوزراء قبل أن يكون خارجه، وهو ما يعطي الذين يعارضونها حججًا إضافية للتصويب عليها وعلى أدائها. (في المناسبة لم تكن التسميات التي تطلق على الحكومات مطابقة للمواصفات المطلوبة من هذه التسميات).
فالجريمة التي ارتكبتها الصيدلانية منى بعلبكي، وهي جريمة موضوفة، تكاد تمرّ مرور الكرام، إذ في الأساس لم تكن تلك السيدة الفاقدة الضمير لتقدم على فعلتها هذه لو لم تكن مغطاة من جهة متنفذة، وهي لم تكن لتسافر إلى الخارج بهذه البساطة لو لم يُسّهل أمرها.
وهذه الجريمة واحدة من بين جرائم كثيرة تكاد لا تخلو منها الساحة الداخلية، على رغم إنشغال الجميع بالتحضير لمعركة تحرير جرود رأس بعلبك والقاع من تنظيم “داعش” وأخواته.
ولأن وراء “قاتلة الأطفال ومرضى السرطان” من وراءها ستطلع منها مثل “الشعرة من العجين”، وستلصق التهمة بآخرين لا ينتمون إلى أيٍّ من أحزاب السلطة ولا ظهر لهم ولا حيل ولا قوة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى