عون وبري | حرب استباقية

اتخذ الصراع على مرسوم الأقدمية بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، مدى أبعد من الخلاف التقني أو الإجرائي. لا شك أنه مثّل تعبئة واسعة للفراغ السياسي الذي ضرب لبنان خلال فترة الأعياد، وصولاً إلى التمهيد للمعركة الانتخابية الشهر المقبل. وقد أخذ هذا الصراع، رغم هامشيته، التوسع، ويأخذ منحى جديداً من الخلاف. فرغم إعلان الرئيس سعد الحريري استعداده لإطلاق مبادرة لمحاصرة التوتر بين الطرفين وحفظ ماء وجهيهما معاً، إلا أن المبادرة الموعودة لم تأخذ حتى الآن طريقها إلى التطبيق.

وفيما يؤكد الرئيس بري أن المرسوم يحتاج إلى النشر في الجريدة الرسمية، ما يحتّم أن يحمل توقيع وزير المال، مازال الرئيس عون مصرّاً على أن المرسوم لا يرتب أعباء مالية ولا يحتاج إلى توقيع وزير المال، ويعتبر أنه نافذ من دون نشره في الجريدة الرسمية، طالما أنه مُهر بتوقيع رئيس الجمهورية. ويقول بري إن “موضوع منح الاقدميات دستوري وقانوني ولم نكن بحاجة إلى تحويله الى مشكلة سياسية”، معرباً عن أسفه لذلك “كون العلاقة كانت ممتازة مع فخامة الرئيس قبل هذه المشكلة”.

ويؤكد بري أنه يحتكم “الى الدستور في قضية مرسوم الاقدميات. وهو لا يصبح نافذاً إلا عند نشره في الجريدة الرسمية”. وفي تعليق بعض المراقبين على هذه الأزمة، هناك من يعتبر أن بري يخوض حرباً استباقية، ذات أوجه متعددة، أولاً يريد لصلاحية وزارة المال أن تماثل صلاحية “رئيس ثالث يوازي توقيعه توقيعي رئيسي الجمهورية والحكومة، بحيث لا يمرّ أي قرار من دون توقيع وزير المال. وإذا لم يكرّس ذلك في القانون والدستور، فإن بري يستند في تكريسه إلى القوة السياسية بجعله عرفاً لا يمكن تجاوزه”. هذه الخطوة تلاقي كلام بري سابقاً عن أنه أصبح مقتنعاً أكثر من أي وقت مضى بالاحتفاظ بوزارة المال، وبأنها يجب أن تكون دائماً من حصة الطائفة الشيعية.

ماذا يعني هذا الكلام؟ تجيب المصادر بأنه يعني أن الصراع انتقل من السياسة إلى الصلاحيات من ضمن منطق الميثاقية. بالتالي، فإن ركناً أساسياً من الطائفة الشيعية، يريد التمسك بما يعتبره حقاً تقريرياً في قرارات أساسية ومصيرية في الدولة. وفيما يؤكد بري تأييده حقوق الضباط الذين منحوا سنة أقدمية، يريد إحالة المرسوم إلى وزير المال لتوقيعه، وليس لتعطيله. وفي ذلك كا يؤشر إلى الهدف الأساسي الذي يريد بري تكريسه.

الأخطر من ذلك أن الأزمة أخذت تطاول جوانب أخرى، أبرزها ترقيات الجيش التي كان من المفترض أن تسري في الأول من كانون الثاني 2018، والتي تأخرت بسبب رفض توقيع وزير المال عليها. وهذا ما يدفع ببعدا إلى التصعيد، واعتبار أن لا صلاحية لوزير المال على عمل الوزراء الآخرين. بالتالي، لا يمكن عرقلة إصدار مراسيم الترقيات، بل لا يمكن تقسيمها، ويجب أن تصدر كلها دفعة واحدة. أما وقد وقع وزير المال جزءاً من هذه الترقيات بدون توقيع مرسوم ترقيات الجيش، فإن ذلك يضعه في مكانة المعرقل لكل الترقيات. وتعتبر مصادر بعبدا أن هذا أخطر ما في الأمر، لأنه قد ينعكس على الجيش ومعنوياته.

خوض المعركة الانتخابية يقتضي هذا التصعيد. يريد بري تكريس مبدأ الترويكا، واقلاع عون- الحريري عن التفكير في الثنائية. لذلك، يتمسكّ بري بإتفاق الطائف، ويلوّح بأن عدم توقيع وزير المال على هذا المرسوم يعني أن الطائف أصبح مهدداً. وسيكون لذلك تداعيات كبرى.بري

المصدر : منير الربيع – المدن

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى