لبنان يخسر 20% من أطبائه.. ومخاوف من ‘تعذر تقديم الرعاية الصحية’!

“سامر وسام – الحرة

لفترة طويلة اشتهر لبنان بكونه قبلة للباحثين عن العلاج الطبي، ولكونه أيضا يخرّج أفضل العاملين في مجال الرعاية الصحية بالشرق الأوسط، لكن على مدى العامين الماضيين، دفعت الأزمات المتلاحقة الأطباء وكوادر التمريض إلى مغادرة البلد المنكوب، بحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.

ويكشف نقيب الأطباء في لبنان، الدكتور شرف أبو شرف، في حديث لموقع “الحرة”، أن “2500 طبيب من أصل 15 ألف تركوا البلاد في الفترة الأخيرة”، قائلا: “فقدنا حوالى 20 في المائة من الجسم الطبي المختص”.

وأوضح أن “القسم الكبير من الأطباء الذين قرروا السفر إلى الخارج هم من المستشفيات الجامعية، والذين لديهم اختصاصات وكفاءات عالية”، محذرا من تعذر تقديم الرعاية الصحية الجيدة للمرضى.

واعتبر أبو شرف أنه “في الوقت الحالي، يتم تأمين تغطية نسبية للمرضى، ولكن إذا استمرت الهجرة في الارتفاع، قد نصبح عاجزين عن إيجاد البدائل اللازمة للتشخيص والعلاج”.

ولفت إلى أن “عددا من الأطباء توجهوا إلى دول الخليج ولكن هذه الفئة قد تعود يوما”، مشددا على أن “الخطر الحقيقي هو في النسبة المرتفعة للأخصائيين الذي سافروا إلى أستراليا، الولايات المتحدة، كندا، ودول الاتحاد الأوروبي، حيث من الصعب عودتهم”.

وعن التحديات التي تواجه الطبيب، يقول أبو شرف: “الواقع المعيشي بات صعبا للغاية، الطبيب غير قادر على تأمين الحد الأدنى من العيش الكريم واللائق”.

وأضاف: “الأسعار ارتفعت في كافة المجالات، بينما تراجعت أتعاب الطبيب بنسبة 90 في المائة، حيث أصبحت المعاينة 10 دولار أميركي، بعدما كانت 50 و100 دولار على الأقل”، مشددا على أن “الطبيب يعالج بشكل شبه مجاني حاليا”.

وبات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، بسبب الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار، فيما ارتفعت أسعار مواد أساسية بأكثر من 700 في المئة.

ويصف البنك الدولي أزمة لبنان على أنها “الأكثر حدة وقساوة في العالم”، وصنفها ضمن أصعب 3 أزمات سجلت في التاريخ منذ أواسط القرن التاسع عشر.

بدورها، تحدثت عضو مؤسسة “القمصان البيض”، الصيدلانية سوزان سربيه، عن “حالة من الذل يشعر بها كل عامل في المجال الطبي في لبنان، بالإضافة إلى فقدان الأمل بتحسن الأوضاع، ما أدى إلى تراجع في القدرة على البقاء والاستمرار”.

ونقلت سربيه، في حديث لموقع “الحرة”، عن مصادر في نقابة أطباء الأسنان أن “20 إفادة انتساب توقع يوميا من مجلس النقابة بناء على أطباء عازمين على السفر وبحاجة لهذا المستند لتقديمه لمراكز عملهم الجديدة في الخارج”.

وشددت على أن “الكارثة الطبية في لبنان تتمثل بهجرة الأطباء، الصيادلة، والممرضين أيضا”، مشيرة إلى أن ” 3235 صيدلي لم يسددوا الاشتراك النقابي لعام 2021، بسبب سفرهم أو عزمهم السفر”.

وعن خطورة هجرة الأطباء على مجال الرعاية الصحية، يقول المدير الطبي ورئيس قسم القلب في المركز الطبي للجامعة اللبنانية الأميركية (مستشفى رزق)، البروفسور جورج غانم، في حديث لموقع “الحرة”، إن “لبنان لم يعد مستشفى الشرق”.

وتابع: “لطالما كنا في الريادة، حيث كان لبنان نقطة التقاء لجميع المرضى القادمين من دول مجاورة لتلقي العلاج”، مشيرا إلى أنه “منذ بداية الأزمة الاقتصادية عام 2019، ومن ثم انفجار مرفأ بيروت، ونحن نفقد الأطباء المختصين”.

وبدأت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بالتدهور سريعا في لبنان عام 2019، عندما دفعت أزمة مالية البنوك إلى الحد من سحب الدولارات، ومن ثم اندلعت “احتجاجات تشرين” المطالبة بالتغيير السياسي، وبعدها تفشي جائحة فيروس كورونا.

في الرابع من آب 2020، وقع انفجار ضخم في مرفأ بيروت قتل أكثر من مئتي شخص وألحق دمارا ضخما في المدينة. وعمقت المأساة الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية في البلاد.

وفي السياق نفسه، لفت غانم إلى أن “مشكلة أخرى تواجه الجسم الطبي في لبنان، وهي هجرة الممرضين، حيث 35 – 40 في المائة منهم غادروا البلاد”.

وتابع: “عدد كبير من شركات الأدوية أقفلت مراكز عملها في لبنان، وهذا الأمر لا يؤثر فقط على توفير الأدوية في السوق المحلية، بل على تراجع الأبحاث والدراسات العلمية”.

وتعتبر أزمة الدواء التي يعاني منها لبنان حاليا واحدة من أبرز الأمثلة على هذا الواقع الصحي، فالأدوية في حالة انقطاع دائم، وارتفاع مستمر في أسعارها، فضلا عن أن مخزونها يتلاشى تحت ضغط السوق وعمليات الاحتكار والتخزين.

وحول السبب المباشر الذي يدفع الطبيب إلى الهجرة، يختصر الدكتور روبير فاخوري، استشاري أمراض القلب والشرايين، والذي غادر إلى السعودية في أغسطس الماضي، قائلا إنه “العجز”.

وأضاف فاخوري: “شعرت بأني عاجز، حيث أن المستلزمات غير موجودة، الكهرباء غير متوفرة في العيادة، ولا محروقات للتنقل، بالإضافة إلى أن المريض لا يستطيع تأمين الدواء الذي أصفه بسبب عدم توفره في السوق أو بسبب كلفته”.

ويشهد لبنان، الذي تتهم نخبته السياسية بالفساد وانعدام الكفاءة، تقنينا للكهرباء تجاوز 22 ساعة يوميا، منذ أشهر.

ويواجه البلد صعوبات في استيراد الوقود نتيجة تراجع غير مسبوق في سعر صرف الليرة اللبنانية وضعف شديد في احتياطات العملة الصعبة.

ولفت فاخوري إلى أنه قرر الهجرة لأنها أفضل من البقاء دون قدرة على تأمين الرعاية الصحية اللازمة، مشيرا إلى أنه قرر العودة إلى لبنان في نوفمبر الجاري بعد إلحاح المرضى.

ولفت إلى أن “الواجب الإنساني أعادني إلى بلادي، لم أستطع ترك المرضى الذين اعتادوا على تلقي العلاج والمتابعة من قبلي طوال السنوات الماضية”، مبينا أنه شعر بالضيق والضغط لعدم نجاحه في تحويلهم إلى أطباء آخرين.

وتعاني المستشفيات اللبنانية عجزا كبيرا أيضا، حيث قال مسؤول في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، إن المستشفى عجز عن تأمين نحو 500 نوع من المواد الأساسية، كالمضادات الحيوية والقسطرة والشاش والمطهرات وصبغة الأشعة المقطعية وغيرها، بحسب تقرير “واشنطن بوست”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى